تكنولوجيا بلوك شين في شرح مبسط

تكنولوجيا بلوك شين أو بلوكشين وهي بالإنجليزية Blockchain وترجمتها بالعربية سلسلة الكتل، هي ثورة حقيقية في عالم التداول المالي، وليس التداول المالي فقط، ولكنها تتجاوز ذلك لتكون تكنولوجيا شاملة يمكن الاعتماد عليها لإنشاء نظام تكنولوجي متكامل كنظام الإنترنت الذي اعتدنا عليه.

الشيء الرائع الذي يفرحني حقاً: أنني عندما قررت كتابة موضوع يتحدث عن تكنولوجيا بلوك شين أو سلسلة الكتل، قمت باستخدام أداة جوجل لفحص معدل البحث عن الكلمات المفتاحية، ووجدت أن هناك الكثير من العرب المهتمين بتكنولوجيا Blockchain.

لقد سعدت كثيراً عندما عرفت أن هناك شباب عربي يهتم ويبحث، ويريد الفهم. في الحقيقة تكنولوجيا بلوك شين هي إبتكار يستحق الاهتمام، وهي من الإبتكارات التكنولوجية التي سوف تساهم بشكل كبير في شكيل العالم التكنولوجي والمالي في المستقبل.

في هذا المقال سوف نتحدث عن تكنولوجيا بلوكشين بشكل مبسط وسهل من الكثير من الجوانب، كمحاولة من الرابحون للمساهمة في زيادة وعي الشباب العربي، وجعلهم على دراية ومعرفة بهذه التكنولوجيا الرائعة والثورية.

ما هي تكنولوجيا بلوك شين؟

تكنولوجيا بلوك شين هي تكنولوجيا برمجية جديدة كلياً، ظهرت لأول مرة عام 2009 في ورقة بحثية قدمها المدعو ساتوشي ناكاموتو، والتي كان الغرض منها في الأساس إبتكار العملة الرقمية بيتكوين.

تقوم هذه التكنولوجيا علي نظام الند للند، أي يتم إجراء المعاملات بين مستخدمي هذه التكنولوجيا بدون أي وسيط.
هي تكنولوجيا لا مركزية أي لا يوجد من يتحكم بالعمليات التي تتم من خلالها، فلا يوجد هيئات حكومية مثلاً مسيطرة على مجريات الأمور بها، ولا حتى شركات تدير وتنظم العمل بها.

تكنولوجيا بلوك شين هي تكنولوجيا تشفيرية أي أن البيانات التي يتم تناقلها، أو الأموال التي يتم تداولها من خلالها تكون مجهولة المصدر، فمثلاً لو قام أحمد بارسال عدد 3 بيتكوين لاخوه محمد، فلن يستطيع أحد معرفة أحمد أو محمد، لأن الأشخاص في نظام البلوك شين هم مجرد أكواد.

في الحقيقة الكثير من الناس يفهمون أن هذه التكنولوجيا تتخلص في العملات الرقمية فقط، ولكن هذه التقنية أو التكنولوجيا تتجاوز فكرة العملات الرقمية.
فنظام البلوك شين يمكن استخدامه في الكثير من الأشياء، حتى يمكن التنبؤ أن تكنولوجيا البلوك شين -كما أشرت من قبل- يمكن تطبيقها كنظام بديل أو موازي لفكرة الإنترنت بشكل عام.

فيمكن من خلال تكنلوجيا بلوك شين بناء تطبيقات تؤدي أي مهمة أو تنفذ أو وظيفة، مثلها مثل تطبيقات الهواتف الذكية أو برامج الكمبيوتر، والفرق الوحيد أنها تعمل بنظام مختلف كما سأوضح بعد قليل.

تكنولوجيا blockchain من المنظور التقني

في الحقيقة المفهوم التقني لهذه التكنولوجيا ليس سهل الفهم وخصوصاً لغير المتخصصين، وذلك كحال التكنولوجيا بشكل عام فهي غير سهلة الفهم، فلا عجب أن ترى الكثيرين حتى الآن لا يعرفون ما هو الإنترنت مثلاً.

لذلك هنا سوف أحاول أن أختصر وأبسط الأمور بالقدر الذي يجعل الفكرة سهلة الفهم، وبسيطة المعنى. لقد ذكرنا منذ قليل أن تكنولوجيا بلوك شين هي تكنولوجيا جديدة يمكن تطبيقها في الكثير من المجالات، ولكن لتسهيل الفكرة فسوف أتناول شرح تكنولوجيا بلوك شين من منظور العملات الرقمية المألوفة لدى الكثيرين.

كل مشروع يتم عمله اعتماداً على تكنولوجيا سلسلة الكتل يمثل أبلكيشن أو تطبيق، هذا الأبلكيشن يتم تصميمه وبرمجته بلغات برمجية مثل لغة ++c أو جافا اسكربت، والتطبيق الأول لهذه التكنولوجيا كان مشروع البيتكوين وهو الأكثر شهرة ونجاحاً إلى الآن.

الجدير بالذكر هنا أن تكنولوجيا بلوك شين هي تكنولوجيا مفتوحة المصدر، أي يمكن لأي شخص نسخ كود أي تطبيق، ويقوم بعمل تعديلات عليه ونشره من جديد كتطبيق جديد. هذا يفسر لماذا أن هذه التكنولوجيا كانت تقتصر فقط على البيتكوين، والآن أصبح هناك أكثر من 1500 عملة مختلفة على هذا النظام.

نعود للفكرة مرة أخرى، لكي تبدأ في التعامل مع هذا الأبلكيشن وليكن البيتكوين مثلاً: فعليك بعمل حساب، هذا الحساب يتم عمله من خلال شيء يسمى حافظة أو Wallet، والتي يتوجب عليك أن تقوم بتحميلها على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي خاصتك.

الفكرة الرئيسية هنا والمختلفة في هذه التكنولوجيا أنه يتم ادارتها وتسجيل المعاملات التي تتم من خلالها، من خلال أعضاء يستخدمونها بالفعل.
فقلنا بالأعلى أنها نظام لا مركزي، لذا يمكن لأي شخص أن يقوم بدور في حفظ النظام، وذلك عن طريق تسجيل المعاملات التي تتم من خلالها.

هناك مئات الآلاف من هؤلاء الأشخاص حول العالم، لذلك فكل عملية أو معاملة تتم، تكون محفوظة على آلاف الأجهزة في أماكن متفرقة حول العالم. ومن هنا تنبع الفكرة العبقرية لآمان هذا النظام، والتي تجعل من شبه المسحيل اختراقه.

هؤلاء الأشخاص يقومون بترتيب العمليات في سلاسل حسابية منفردة، والتي تشكل في مجموعها سلسلة الكتل، والتي تكون بمثابة دفتر حسابات ضخم يحتوي كل شيء تم فعله من خلال النظام.

إن هؤلاء الأشخاص أو كانوا مجموعات (الذين يسجلون المعاملات) لا يقومون بفعل ذلك (أي حفظ النظام) بصورة تطوعية، ولكن بمقابل.
المقابل يكون عبارة عن عملات يتم توليدها لمن يتوصل لحل معادلات رياضية صعبة ومعقدة.

هذا في الحقيقة يتطلب أنواع معينة من أجهزة الكمبيوتر الهائلة، والتي تكون بمواصفات عالية جداً وفائقة السرعة، كما أنها تحتاج لمستوى عالي من الطاقة الكهربائية لكي تعمل.

ولكي نوضح الفكرة بشكل أكثر عملية، دعونا نضع نظام بلوك شين الذي نتحدث عنه اليوم في مقارنة مع نظام مألوف لنا جميعا وهو نظام البنوك.

من المعروف أن البنوك هي أنظمة مركزية تقوم بتسجيل وحفظ المعاملات المالية على قواعد بياناتها الخاصة، وهي التي تضمن حق الجميع في امتلاك أموال لديها، وفي مقابل ذلك تتقاضى عمولات مقابل كل هذا العمل الذي تقوم به.
وبما أن المعاملات مسجلة فقط على قواعد بيانات البنك فمن الممكن التلاعب بها (هذا غالباً لا يحدث في الواقع، ولكنه ممكن الحدوث)

في المقابل أنظمة البلوك شين كالبتكوين، هي أنظمة لامركزية فليس هناك شخص أو مؤسسة يمتلكها.
حفظ حقوق الأشخاص في امتلاكهم بيتكوين يتحدد من خلال تسجيل المعاملات على مئات الآلاف من الحواسيب حول العالم، وتسجيل هذه المعاملات يعني اعتراف لكل صاحب حق بحقه.

نظام البلوك شين هو نظام تشفيري، فأنت كمستخدم له ستكون مجرد كود على النظام، ويمكن لأي شخص يستخدم النظام معرفة: أن الكود س قام بتحويل 5 بيتكوين للكود ص، وهذا غير قابل للتلاعب، لأنه محفوظ في سلسلة الكتل على مئات الآلاف من الأجهزة.

بامتلاكك لبيانات الدخول الخاصة بالكود س فأنت مالكه بشهادة مئات الآلاف من الحواسيب حول العالم، وهذا ما يصنع الفارق بين هذه التكنولوجيا الجديدة وغيرها من الأنظمة التقليدية.

لا تكن كسولاً وتتوقف عن القراءة عند هذه النقطة، فمازال هناك بعض النقاط الهامة التي سوف أوضحها لك حول تكنولوجيا Blockchain، والتي من خلال سوف تضح لك الفكرة أكثر وأكثر.

مميزات تكنولوجيا بلوك شين

1- تكنولوجيا ليس هناك من يتحكم بها
واحدة من المميزات الرائعة والأكثر جاذبية للكثير من داعمي تكنولوجيا بلوك شين هي النظام اللامركزي. النظام اللامركزي هنا يعني أن هذه التكنولوجيا ليست ملكاً لأحد بل هي ملك لمستخدميها. مستخدميها هم الذين يحفظون النظام، وهم الذين يضمنون حقوق الجميع.

يرى مؤيدي تكنولوجيا بلوك شين بشكل عام ومؤيدي العملات الرقمية بشكل خاص، أن الحكومات أو البنوك لاتملك الحق في الرقابة على أموال الناس، ومن حق الجميع ارسال واستقبال الأموال دون وسيط، وهذا يساهم بشكل كبير جداً في خفض رسوم تحويل الأموال أو حتى انعدامها تماماً.

2- تكنولوجيا ملك للجميع
تكنولوجيا بلوك شين هي تكنولوجيا مفتوحة المصدر، لذلك فهي ملك للبشرية اجمع، ويمكن للجميع نسخها وإعادة استخدامها وتطبيقها في الكثير من المجالات.

3- مستوى الأمان والحماية عالي جداً
على الرغم من أن الأنظمة المالية التقليدية التي تمتلكها البنوك والحكومات هي أنظمة على أي مستوى من الأمان والحماية، إلا أنها أنظمة بشكل أو بأخر قابلة للاختراق.

أما في النظام اللامركزي الخاص بتكنولوجيا بلوكشين ففكرة اختراق النظام فكرة شبه مستحيلة، فلكي تخترق أحد أنظمة تكنولوجيا بلوك شين يتوجب عليك تغيير بيانات آلاف الأجهزة الموزعة حوال العالم.

4- تكنولوجيا تضمن مستوى عالي من الخصوصية والسرية لمستخدميها
في الأنظمة التي تقوم على تكنولوجيا بلوك شين مثل العملات الرقمية، فالمستخدمين مجرد أكواد مشفرة في النظام، ولا يمكنك لأي مستخدم معرفة أي بيانات شخصية حول مستخدم آخر. بالطبع لأنها تكنولوجيا لا مركزية فلا يمكن لأي هيئة أو منظمة معرفة بيانات المستخدمين أيضاً. (سنرى بعد قليل كيف أن هذا من منظور آخر يمثل عيب خطير).

عيوب تكنولوجيا بلوك شين

1- تمثل فرصة للكثيرين للعمل في الظلام
ليس هناك شك أن غياب الرقابة يمثل بشكل أو بأخر فرصة وساحة عمل لطيور الظلام. هناك الكثير من رافضي تكنولوجيا بلوك شين يرون أنه من خلال ظهور هذه التكنولوجيا وما أتت به من عملات ليس عليها أي رقابة، فهذا أدى إلى وجود قنوات لتبادل الأموال وتحويلها لدعم أنشطة وتجارة غير شرعية.

في الحقيقة مع وجود الإنترنت المظلم فهذا العيب يجب أن يؤخذ في الاعتبار. لمعرفة المزيد من المعلومات حول الإنترنت المظلم، وكيف أنه له وجه مضيء قم بقراءة المقال بالرابط بالأسفل:

2- تحتاج إلى أجهزة مكلفة وطاقة كبيرة
العاملين على حفظ النظام لتسجيل المعاملات يحتاجون إلى أجهزة كمبيوتر بمواصفات خاصة، وهي تكون مكلفة جداً، كما أن هذه الأجهزة تحتاج لقدر كبير جداً من الطاقة.

3- التذبذب الكبير في أسعار العملات
منذ فترة ليست بكبيرة تجاوز سعر البيتكوين الواحد 19 ألف دولار ليسجل أعلى سعر له منذ ظهوره، وبعدها بعدة أسابيع حدث انهيار كبير في سعر البيتكوين، هذا أدى إلى تحقيق خسائر وأرباح هائلة لمستخدمي هذه العملة كل وفقاً لحظه.

في الحقيقة هذا التذبذب الكبير للأسعار جعل مع البيتكوين ساحة للرهان والمضاربة أكثر منها عملة مستقرة يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها.

مستقبل تكنولوجيا بلوك شين

في الحقيقة حتى أقوى خبراء الاقتصاد على مستوى العالم لا يمكنهم التبؤ بمستقبل الابن البكر لتكنولوجيا بلوك شين وهو العملات الرقمية.
ولكن لا أحد يستطيع انكار أن تكنولوجيا بلوك شين بشكل عام هي تكنولوجيا تستحق الاهتمام، وهي بشكل أو بآخر تفرض نفسها على الساحة العالمية، ولا يمكن تجاهلها تحت أي ظروف.

ولكن ما هو مستقبل هذه التكنولوجيا؟ في الحقيقة المشهد ليس ضبابي تماماً بخصوص مستقبل تكنولوجيا بلوك شين، فهناك الكثير من الاشارات التي يمكننا من خلالها استيضاح الصورة، ومن هذه الأشياء:

1- اعتراف الكثير من الدول بالعملات الرقمية وعلى رأسها بيتكوين
هناك الكثير من الدول الكبيرة على مستوى العالم بدأت تعتمد البيتكوين كعملة معترف بها، ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وهولندا.

في هذه الدول ستجد محلات تقبل البيتكوين، وستجد ماكينات ATM يمكنك السحب منها أيضاً.

2- فيسبوك بالتعاون مع الكثير من الشركات الأخرى يعلن عن اطلاق عملته الرقيمة ليبرا
الليبرا ليست عملة رقمية تقليدية كباقي العملات الرقمية، ولكنها عملة رقمية ذات طبيعة خاصة، فهي عملة رقمية تقف وراءها الكثير من الشركات والمؤسسات الكبيرة (أكثر من مائة كيان وشركة عالمية).

فهل الليبرا ستمثل جيل جديد من العملات الرقمية، ولكنها تفتقد للامركزية المطلقة، أم إنها محاولة من الحيتان لركوب موجة تكنولوجيا بلوك شين وتطويعها وفقاً لمصالحهم الخاصة؟

يمكنك معرفة اجابة هذا السؤال، ومعرفة الكثير من المعلومات والتفاصيل حول ليبرا من خلال المقال بالرابط بالأسفل:

3- الكثير من الأشياء التي نعتمد عليها اليوم كانت مثيرة للشبهات في الأمس
لنأخذ على سبيل المثال الإنترنت نفسه، فقد كان في الماضي وخصوصاً في منطقتنا العربية رمزاً للفجور والمواقع الاباحية والهاكر، ولكن مع مرور الوقت، ومع زيادة وعي مستخدميه أصبح عنصر أساسي نعتمد عليه في الكثير من جوانب الحياة الأساسية.

الخلاصة:
تكنولوجيا بلوك شين تمثل ثورة جديدة في عالم المال، وخلال الفترة الماضية أثبتت بجدارة قدرتها على تحمل الاختبارات، والاستمرار في التواجد، ومع مرور الوقت يزداد عدد مستخدميها، وهذا بالضرورة يعمل في صالح استمرارها في المستقبل.

مع مرور الوقت أيضاً ظهرت استخدامات أخرى لها مثل إمكانية إنشاء العقود الذكية، ومن يعلم ربما في المستقبل القريب تظهر لها المزيد من الاستخدامات والتطبيقات التي تجعل منها عنصر أساسي في حياتنا.
على أي حال سلسلة الكتل هي نظام تكنولوجي جديد وهو ليس شريراً وليس خيراً، بل هو فقط نظام يحمل نظرة جديدة لأشياء قديمة.

في النهاية أتمنى أن تكون الفكرة قد وضحت لديك، أيضاً يسعدني مشاركتك في التعليقات بأسفل الموضوع، وإذا أعجبك الموضوع ووجدت به قيمة تستحق المشاركة، ففضلاً قم بمشاركته مع أصدقاءك.

المصدر : alrab7on